بقلم: منير الظاهر
بعد سنوات من الصراع والتغيرات السياسية العاصفة، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع على مسودة الدستور الجديد، الذي من المفترض أن يرسم ملامح سوريا المستقبلية. لكن مع التباين الكبير في ردود الأفعال بين المرحّبين والمتحفظين، يبرز السؤال الأهم: هل يشكل هذا الدستور انطلاقة نحو الديمقراطية والاستقرار، أم أنه مجرد إعادة صياغة للهيمنة السياسية بصيغة جديدة؟
ملامح الدستور الجديد: بين التغيير والاستمرارية
يتبنى الدستور الجديد نظامًا رئاسيًا يمنح الرئيس سلطات تنفيذية واسعة، دون وجود منصب رئيس وزراء، مع احتفاظ مجلس الشعب ببعض الصلاحيات التشريعية، وإن كان الرئيس يحتفظ بحق تعيين ثلث أعضائه. كما يؤكد الدستور أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، مع ضمان حرية العقيدة واحترام الأديان السماوية، لكنه لا ينص بوضوح على ضمان المساواة الكاملة بين الأديان والطوائف في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية.
وبينما يكرّس الدستور الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير والصحافة، فإنه في الوقت نفسه يمنح الرئيس صلاحيات قد تعيق استقلالية القضاء، مثل تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهو ما قد يثير مخاوف حول إمكانية استغلال السلطة القضائية كأداة سياسية.
الإيجابيات: دستور يواكب تطلعات البعض
الاستقرار المؤسساتي:
يمنح الدستور إطارًا قانونيًا قد يساعد في إنهاء الفوضى السياسية ويضمن استمرار عمل مؤسسات الدولة.
تمكين المرأة:
يشير إلى أهمية دور المرأة في المجتمع ويكفل لها حقوقها في العمل والمشاركة السياسية.
ضمان بعض الحريات المدنية:
مثل حرية التعبير والإعلام، وإن كان تطبيقها على أرض الواقع سيبقى محل اختبار.
السلبيات: مخاوف من عودة الحكم المركزي
سلطة تنفيذية مطلقة:
جمع الرئيس بين يديه معظم السلطات قد يعيق أي تحول ديمقراطي حقيقي، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التداول السلمي للسلطة.
تهميش الأقليات:
اشتراط أن يكون دين الرئيس الإسلام، والاعتماد على الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع، قد يؤثر سلبًا على حقوق الأقليات الدينية والعرقية، مثل الدروز، الأكراد والمسيحيين.
غياب الاعتراف بالتعدد اللغوي والثقافي:
تهميش اللغات غير العربية، مثل الكردية والسريانية، قد يزيد من التوترات المجتمعية.
هل تتحول سوريا إلى دولة سلفية؟
رغم أن الدستور الجديد يقدم بعض الإصلاحات الشكلية، إلا أن هناك مخاوف من أن يكون خطوة نحو تأسيس دولة سلفية، حيث تُستمد القوانين بشكل رئيسي من الفقه الإسلامي، مع منح بعض الحريات الشكلية التي قد لا تُطبق فعليًا. فبينما يضمن الدستور حقوق المرأة وحرية التعبير، إلا أن تطبيقه قد يكون انتقائيًا، خاصة في ظل قوانين مستمدة من الفقه الإسلامي قد تحدّ من هذه الحريات، مثل قوانين الأحوال الشخصية وحقوق غير المسلمين في تولي المناصب العليا.
تناقضات في بنود الحرية والمساواة
يبدو أن بعض بنود الدستور قد وُضعت خصيصًا لإرضاء الدول الغربية، مثل الإشارة إلى حرية المرأة ودورها في الحياة العامة، لكنها قد تبقى مجرد شعارات لا تُطبق فعليًا. ففي الوقت الذي يتم فيه التأكيد على دور الشريعة الإسلامية، يتم تقديم بنود تبدو حداثية، لكنها قد تتعارض مع القوانين الدينية التي سيتم تبنيها في مجالات مثل الميراث، حقوق المرأة، وحرية المعتقد. هذه الازدواجية قد تجعل من الدستور وثيقة غير مستقرة، حيث يحاول التوفيق بين متطلبات الحكم الإسلامي والضغوط الدولية لتقديم صورة ديمقراطية.
سوريا المستقبلية: إلى أين؟
الدستور الجديد يقدم بعض الضمانات الإصلاحية، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف بشأن إعادة إنتاج الحكم المركزي بواجهة جديدة. فبينما يمنح وعودًا بالحريات والحقوق، فإنه يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة قد تعيق تحقيق الديمقراطية الحقيقية.
لذلك، فإن نجاح هذا الدستور يعتمد ليس فقط على نصوصه، بل على آليات تطبيقه واستعداده لاستيعاب جميع مكونات الشعب السوري. فهل سيكون هذا الدستور جسرًا نحو مستقبل ديمقراطي، أم أنه مجرد ورقة أخرى تُضاف إلى أرشيف دساتير المنطقة التي لم تُطبق يومًا؟ الأيام وحدها ستكشف الجواب.
#سوريا
#أحمد_الشرع