العلاقات بين الدروز في سوريا وإسرائيل والأردن: واقع جديد تحت حكم أحمد الشرع!
بقلم: منير الظاهر
12 أذار 2025
تغيير النظام في سوريا يعيد تشكيل العلاقات بين الأقليات والقوى الإقليمية؛
دمشق – بعد عقود من حكم آل الأسد في سوريا، يواجه الدروز في محافظة السويداء جنوب البلاد واقعًا سياسيًا جديدًا تحت حكم أحمد الشرع (المعروف أيضًا باسم أبو محمد الجولاني). يشير هذا التغيير إلى فترة من عدم اليقين في منطقة حساسة استراتيجيًا، تتاخم إسرائيل والأردن، ويعيد تشكيل شبكة العلاقات المعقدة بين الدروز وجيرانهم.
الأهمية الاستراتيجية للسويداء:-
تحولت محافظة السويداء، التي يقطنها غالبية درزية، في السنوات الأخيرة إلى نقطة محورية في الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط. يسعى النظام الجديد بقيادة الشرع إلى تثبيت السيطرة الكاملة على المنطقة الجنوبية من سوريا كجزء من رؤيته لتحويل سوريا إلى دولة "شريعة" سلفية، مع منع تفكك الدولة إلى كيانات إقليمية مستقلة.
يدرك الشرع أنه يجب دمج الأقليات، وخاصة الدروز، في هياكل الحكم والأمن إذا أراد توحيد البلاد تحت حكمه. في المقابل، يُطلب من الدروز التوازن بين الحفاظ على هويتهم الخاصة وبين ضرورة الاندماج في النظام السياسي الجديد.
احتواء النفوذ الإيراني:-
أحد التغييرات البارزة تحت النظام الجديد هو الموقف من إيران ووكلائها في المنطقة. في حين سمح نظام الأسد لإيران وحزب الله بالتمركز في جنوب سوريا، تتبنى حكومة الشرع نهجًا أكثر اعتدالًا، في محاولة لمنع سوريا من أن تصبح ساحة صراع رئيسية بين طهران والقدس.
تلاحظ المصادر الأمنية أن إسرائيل تراقب هذا التطور عن كثب، وترى فيه فرصة لتقليص التهديد الإيراني من الشمال، لكنها أيضًا تخشى من صعود جماعات سلفية متطرفة في المنطقة. وفي هذا السياق، تلتزم إسرائيل أخلاقيًا بالدفاع عن الدروز في سوريا وتقديم المساعدة لهم في جميع المجالات.
إمكانات للعلاقات الاقتصادية الجديدة:
كان الدروز في السويداء قد أقاموا علاقات تجارية مع الأردن في الماضي، لكن هذه العلاقات تضررت خلال سنوات الحرب الأهلية. الآن، تحت الواقع الجديد، تظهر بعض الإشارات الأولى لاستعادة الروابط الاقتصادية.
يمكن أن تعزز فتح مسارات التجارة القانونية الاقتصاد المحلي وتقلل من اعتماد المنطقة على القوى المعادية. في هذا السياق، قد تستفيد إسرائيل أيضًا من التجارة غير المباشرة وتقديم المساعدة الإنسانية والمدنية التي ستساهم في الاستقرار الإقليمي ومساعدة الدروز.
جسور اجتماعية بين المجتمعات الدرزية:
من الناحية الاجتماعية، قد يفتح التغيير السياسي فرصًا جديدة لتعزيز العلاقات بين الدروز في سوريا وأشقائهم في الجولان وإسرائيل. في الماضي، قيّد النظام السوري هذه الروابط، لكن الواقع الجديد يتيح حوارًا أكثر انفتاحًا.
تسعى العائلات الدرزية من جانبي الحدود إلى استعادة الروابط الثقافية والدينية والعائلية. يمكن أن تشكل هذه الروابط قناة تواصل هامة على الصعيد السياسي.
صراع المصالح بين القوى الكبرى:
تظهر القوى الكبرى اهتمامًا كبيرًا بالتطورات في جنوب سوريا. ترى الولايات المتحدة في المنطقة جبهة هامة لاحتواء النفوذ الإيراني ومنع تجدد قوة الجماعات الإرهابية مثل داعش.
من جهة أخرى، تظهر روسيا، التي دعمت نظام الأسد، تحفظًا تجاه حكم الشرع، لكنها تركز على الحفاظ على قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس. تمتنع موسكو عن مواجهة مباشرة مع النظام الجديد طالما أن مصالحها العسكرية لم تتضرر.
التحديات والفرص لإسرائيل:
بالنسبة لإسرائيل، يشكل التغيير في النظام السوري تحديات وفرصًا. من ناحية، هناك إمكانات لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة؛ ومن ناحية أخرى، فإن صعود القوى السلفية قد يؤدي إلى تهديدات جديدة.
تشير المصادر الأمنية في إسرائيل إلى أهمية الحفاظ على حدود شمالية مستقرة، مع مواصلة سياسة الضربات المحددة لمنع تهريب الأسلحة وتوطيد ميليشيات معادية. إسرائيل اليوم موجودة في نقاط استراتيجية، على طول منطقة العزل، لهذا الغرض.
في الوقت نفسه، تدرس إسرائيل إمكانيات تعزيز العلاقات مع الدروز في سوريا من خلال الدبلوماسية الهادئة والمساعدة الإنسانية، مع الاستفادة من الروابط القائمة مع المجتمع الدرزي في الجولان وإسرائيل. كما أن إسرائيل ملزمة أخلاقيًا بالتحرك بهذا الشكل بسبب الدروز المخلصين لها مواطني الدولة.
نحو مستقبل غير مؤكد:-
يحتوي الواقع الجديد في جنوب سوريا على الكثير من عدم اليقين. سيتحدد نجاح الدروز في التنقل ضمن النظام السياسي المتغير وفقًا لقدرتهم على الحفاظ على مكانتهم كجماعة شبه مستقلة، وسيؤثر ذلك على التوازن الإقليمي بأسره.
يجب على الدروز الحفاظ على حياد سياسي وحذر دبلوماسي. في الوقت نفسه، يجب عليهم تعزيز الروابط الاقتصادية مع الأردن وإسرائيل لضمان الاستقرار وتقليل اعتمادهم على النظام المركزي في دمشق.
بهذا السياق يجب على الدروز المحافظة على قوتهم العسكرية في جميع الظروف من أجل حمايتهم وتحسبًا لكل ظرف.
ستُظهر الأسابيع القادمة ما إذا كان الشرع سينجح في تثبيت حكمه في جنوب سوريا، وما إذا كان الدروز سينجحون في الحفاظ على هويتهم الفريدة في الواقع المتغير، مع تطوير علاقات جديدة مع إسرائيل والأردن.